سودة بنت زمعة - رضي الله عنها
هي سودة بنت زمعة بن قيس بن عمرو.. وزوجها ابن عمها (السكران بن عمرو). أسلم الاثنان في مكة، وتعرضا (مثل بقية المؤمنين) لأشد صنوف العذاب والاضطهاد..
رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه النفر القليل الذين آمنوا معه، يخرجون من ديارهم وأموالهم، ويركبون أهوال البحر لينجوا بدينهم من مطاردة مجنونة آثمة، تحاول أن تردهم قسرا إلى متاهة الضلال ومهواة الشرك.
هؤلاء النفر هم: السكران وزوجه سودة وأخوها مالك، وأخواه سليط وحاطب وابن أخيه عبد الله بن سهيل بن عمرو. وصحب ثلاثة من الثمانية زوجاتهم، وكلهن عامريات
وتـمرّ الأيام ثقيلة على مهاجري الحبشة في دار غير ديارهم.. وبين قوم غرباء عنهم.. حتى وصلت إليهم الأخبار تحمل نبأ دخول أكثر أبناء قريش في الإسلام.. ورأى نفر من المهاجرين (والفرحة لا تكاد تسعهم) أن يعودوا إلى مكة إلى جوار النبي صلى الله عليه وسلم وإلى قومهم وبلدهم.. وكان من هؤلاء السكران وزوجه سودة.
وقبل أن يصلوا إلى مكة وصلتهم الأخبار بأن نفرا قليلا دخل الإسلام، وأن قريشا ضاعفت إيذاءها للمسلمين.. وحاصرتهم ومن انضم إليهم في شعب أبي طالب.. فقرر نفر من هؤلاء العودة إلى دار هجرتهم في الحبشة.. بينما قرر السكران وزوجه دخول مكة ليلاقيا ما يلاقيه المسلمون فيها من أذى وعذاب وحصار.. وما أن استقر المقام بالأسرة المجاهدة في مكة حتى توفى السكران.. وبقيت إلى جانبه زوجه سودة تبكيه فقد كان ابن عمها ورفيق دربها في الإيمان والهجرة.. وها هو يدفن في ثرى مكة، مرقد من مضوا من أهله وأصحابه.. ويترك أرملته من بعده، قد أسلمتها محنة الاغتراب إلى محنة الترمل.
وكانت من أهم الأحداث التي وقعت في تلك الفترة وفاة أبي طالب عم رسول الله [ الذي كفله صغيرا، وآزره كبيرا، وناصره على دعوته، وحماه من عوادي المشركين. ووفاة السيدة خديجة زوج النبي التي صدقته وآمنت به وكانت له وزير صدق طول سني كفاحه وجهاده .
عام الحزن
وقعت هاتان الحادثتان المؤلمتان خلال أيام معدودة، فاهتزت مشاعر الحزن والألم في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما المشركون فقد تجرأوا عليه، كاشفوه بالنكال والأذى.. ورسول الله يقول: ما نالت مني قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب.. وسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم عامه هذا بعام الحزن..
كان الصحابة يرقبون آثار الحزن على وجه النبي صلى الله عليه وسلم فيشفقون عليه من تلك الوحدة.. ويودون لو يتزوج، لعلّ في الزواج ما يؤنس وحشته بعد أم المؤمنين الراحلة .
وجاءت خولة بنت حكيم السلمية إلى النبي تعرض عليه أن يتزوج.. ويقول رسول الله: ومن بعد خديجة...؟
وتقول خولة: عائشة.. بنت أحب الناس إليك، تخطبها اليوم ثم تنتظر حتى تنضج.. وسودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس.. وأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبتهما.
ولكن هل تستطيع سودة أن تـملأ من فؤاد النبي وأبنائه وبيته ما كانت تشغله خديجة..؟
لم يتصور ذلك أحد.. فقد كانت امرأة مسنة في نحو ست وستين سنة، ولكنها من المؤمنات المهاجرات الهاجرات لأهليهن خوف الفتنة، ولو عادت إلى أهلها لأكرهوها على الشرك أو عذبوها عذابا نكرا ليفتنوها عن دينها.. فاختار النبي صلى الله عليه وسلم كفالتها. ولقد قابل الناس هذه الالتفاتة من الرسول الكريم بالإعجاب والثناء، وخفف قومها بنو عبد شمس (أعداء الرسول وأعداء بني هاشم) من غلوائهم في عداوة صاحب الدعوة ومخاصمته، وأُنقذت هي مما كان ينتظرها من الضياع.
لقد كانت سودة تدرك تـماما، أن حظها من رسول الله بـرٌ ورحمةٌ وإكرامٌ.. لا حب وتآلف وامتزاج.. وقبلت الدور، فحسبها أن رفعها رسول الله إلى تلك المكانة، وأن جعل منها أما للمؤمنين.
وقدمت سودة كل ما في وسعها لخدمة النبي والسهر على راحته ورعاية أبنائه ليتفرغ هو إلى جهاده وأداء رسالته..
وعمّرت سودة بعد وفاة النبي سنين عدّة.. حتى وافاها أجلها فلقيت ربها راضية مرضية.